معنى الأعراف
الأعراف في اللغة جمع عرف بمعنى المحل والموضع المرتفع وعُرْفُ الديك لحمة مستطيلة في أعلى رأسه يشبه به بظر الجارية وعُرْفُ الدابة الشعر النابت في محدب رقبتها.
وقد اختلفت كلمة الأعلام في خصوص المراد من الأعراف في القرآن الكريم فذكر المفسّرون آراء مختلفة في ذلك يشترك أكثرها في معنى واحد وهو جدار بين أهل الجنة وأهل النار.
يرى السيد العلامة الطباطبائي، أن المراد بالأعراف أعالي الحجاب الذي بين الجنة والنار وهو المحل المشرف على الفريقين أهل الجنة وأهل النار جميعا، فأصحاب الأعراف هناك مطلين على أهل الجنة وأهل النار معاً. وبما أن ظهر الأرض في القيامة مستوٍ فيكون المراد من الارتفاع - بطبيعة الحال – مقام الأفراد المرتفع وهو مقام الشفاعة.
وعن مجاهد وهو من مفسّري التابعين، إن الأعراف سور كالذي يحيط بالمدن القديمة وله أبواب. وفي صعيد هذا التفسير يرى بعض العلماء المتأخرين أن الأعراف هو نفس الحائل المذكور في سورة الحديد الذي يجعله الله سبحانه بين المؤمنين والمنافقين في الآخرة وله باب تشرف من الباطن على الجنة ومن الظاهر على النار.
نقل عن الحسن البصري والزجاج بأنهما فسّرا الأعراف بالمعرفة، أي يوجد في يوم القيامة رجال مطلعون على حال الناس و يعرفون أهل الجنة والنار من خلال سيمائِهم. وهذا ما ذهب إليه صدر المتأهلين متخذا من قوله تعالى «يَعْرِفُونَ كُلاً بِسيماهُمْ» شاهداً على هذا المعنى.
الأعراف في القرآن
لقد وردت مفردة الأعراف في القرآن في آيتين من سورة الأعراف 46 - 49، وهما قوله تعالى:
﴿وَبَيْنهَمَا حِجَابٌ وَعَلىَ الأعراف رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلَّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصحْابَ الجْنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾.
﴿وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصحْابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لَا تجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.
﴿وَنَادَى أَصحْابُ الأعراف رِجَالا يَعْرِفُونهَم بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنى عَنكُمْ جَمْعُكمُْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبرِونَ﴾.
﴿أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الجْنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكمُْ وَلَا أَنتُمْ تحَزَنُون﴾.
من هم أصحاب الأعراف؟
اختلف المفسّرون في أصحاب الأعراف وتعددت الآراء حتى بلغت أقوالهم إلى أربعة عشر قولاً.
وأغلب من تكلّم في الأعراف تطرّق إلى هذه الآراء والأقوال.
ترجع هذه الآراء جميعها إلى ثلاثة وهي:
1. إنهم مجموعة من المقربين عند الله كالأنبياء والأئمة والشهداء على أعمال الناس.
2. إنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم.
3. إنهم ملائكة واقفون على الأعراف يعرفون كلاً بسيماهم.
رأي أهل السنة
اختار أغلب علماء ومفسري أهل السنة القول الثاني. فعن ابن العربي في وصف يوم القيامة: وتأتي الملائكة الثمانية تحمل ذلك العرش فيضعونه في تلك الأرض والجنة عن يمين العرش والنار من الجانب الآخر وقد علمت الهيبة الإلهية وغلبت على قلوب أهل الموقف ويأمرهم داعي الحق عن أمر اللّه بالسجود للّه فلا يبقى أحد سجد للّه خالصاً على أي دين كان إلا سجد السجود المعهود ومن سجد اتقاء ورياء خرّ على قفاه وبهذه السجدة يرجح ميزان أصحاب الأعراف لأنها سجدة تكليف فيسعدون ويدخلون الجنة.
وقد اختار من علماء الشيعة صدر الدين الشيرازي هذا الرأي في كتابه الشواهد الربوبية.
رأي الشيعة
يرى أكثر علماء الشيعة بعد استعراضهم للوجه والآراء المذكورة في تفسير الأعراف، وانطلاقاً من الأحاديث الواردة عن أهل البيت (ع) أن أهل الأعراف هم الأنبياء والأئمة الطاهرون (ع). وبعد أن استعرض الملا صدرا في الأسفار الأربعة. تلك الكلمات ومنها كلام ابن عربي خلص إلى اختيار القول المشهور لدى الشيعة أيضا.
وقد أكدت هذا المعنى الكثير من الروايات الواردة في مصادر الحديث الشيعية مثل كتاب بصائر الدرجات للصفار والكافي للكليني ومعاني الأخبار للصدوق ومسار الشيعة للشيخ المفيد.
الجمع بين الرأيين
هناك آراء أخرى ذكرتها جملة من المصادر الروائية الشيعية والسنية تشير إلى غير تلك الوجوه الثلاثة المذكورة والتي هي وسط بين الآراء المذكورة. وحاصل الجمع بين الإثنين بأن كل مجموعة من هاتين المجموعتين من الروايات مبيّنة لحال بعض رجال الأعراف؛ وذلك بمعنى أن الأعراف يحوي أفراداّ تساوت حسناتهم مع سيئاتهم فلا يستحقون الجنة ولا النار، وكذلك يوجد فيه الأنبياء والأئمة (ع) الذين جاءوا ليشفعوا لهم.
والذي يؤيد هذا الرأي أن الآيات الأربعة المذكورة آنفا، ذكرت صفتين من الصفات المختلفة والمتضادة لأصحاب الأعراف؛ ففي الآيتين الأولى والثانية وصفت أصحاب الأعراف بأنهم يتمنون دخول الجنة، ولكن ثمة موانع تحول دون ذلك، وعندما ينظرون إلى أهل النار يستوحشون مما آلوا إليه من المصير، ويتعوذون بالله من ذلك المصير، ومن أن يكونوا منهم.
وفي المقابل يستفاد من الآية الثالثة والرابعة بأنهم أفراد ذو نفوذ وقدرة، يوبّخون أهل النار ويعاتبوهم ويساعدون الضعفاء في الأعراف على العبور إلى منزل السعادة، مما يكشف عن تمايزهم عن الطائفة الأولى.
في الروايات
والروايات الواردة في الأعراف وأصحاب الأعراف تتحدث عن الفريقين المختلفين؛ ففي بعض الروايات نقرأ: «نحن الأعراف» أو عبارة: «آل محمد (ص) هم الأعراف»؛ ونقرأ في طائفة أخرى «هم أكرم الخلق على الله تبارك وتعالى»؛ «هم الشهداء على الناس والنبيون شهداؤهم» وفي روايات أخرى تحكي أنهم الأنبياء والأئمة والعلماء والأولياء والصلحاء.
لكن هناك طائفة أخرى من الروايات تبيّن بأنهم من تساوت حسناتهم مع سيئاتهم، أو هم المذنبون الذين لهم أعمال صالحة، فقد ورد عن الإمام الصادق (ع) قوله: «هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فإن أدخلهم النار فبذنوبهم، وإن أدخلهم الجنة فبرحمته».
وثمة روايات متعددة أخرى في تفاسير أهل السنة عن حذيفة و عبد الله بن عباس و سعيد بن جبير وأمثالهم تشير إلى نفس المضمون. ونرى في هذه التفاسير أيضاً شواهد تفيد بأن أهل الأعراف هم العلماء والفقهاء و الملائكة و الصلحاء. والجدير بالذكر أن هذا الجمع يستفاد من كلام الشيخ الصدوق.