روي عن علي عليه السلام أنه قال: فلما كانت الليلة التي أراد الله ان يكرمها ويقبضها إليه أقبلت تقول: وعليكم السلام, وهي تقول لي: يابن عم قد أتاني جبرئيل مسلماًـ الى أن قال: فسمعناها تقول:
إليك ربّي, لا الى النار.
ثم غمضت عينيها ومدت يديها ورجليها, كأنها لم تكن حية قط.
و قالت عليها السلام في وصيتها الى علي عليه السلام: اذا أنا متّ فغسلني بيدك, وحنّطني وكفّنّي, وادفنّي ليلا, ولا يشهدني فلان وفلان, ولا زيادة عندك في وصيتي إليك, وأستودك الله تعالى حتى ألقاك.
جَمَعَ اللهُ بينِي وبينَكَ في دارِهِ وقُربِ جَوَارِهِ.
روي عن عبدالله بن الحسن, عن أبيه, عن جده عليه السلام أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله لما احتضرت نظرت نظرا حادا, ثم قالت:
السلام على جبرائيل, السلام على رسول الله, اللهم مع رسولك, اللهم في رضوانك وجوارك ودارك دار السلام.
قالت أم سلمى زوجة أبي رافع: كنت أمرض فاطمة أيام شكاتها فأصبحت يوما كأمثل ما رأيتها في شكواها فقالت لي: يا أماه اسكبي لي غسلا فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل ثم قالت لي: يا أماه اعطيني ثيابي الجدد فلبستها وأمرتني أن اقدم فراشها وسط البيت ففعلت فنامت عليه مستقبلة القبلة وقالت: يا أماه اني مقبوضة الآن فلا يكشفني أحد.
تقول اسماء بنت عميس: لما دخلت فاطمة البيت انتظرتها هنيئة ثم ناديتها فلم تجب فناديت: يا بنت محمد المصطفى يا بنت أكرم من حملته النساء يا بنت خير من وطأ الحصى يا بنت من كان من ربه قاب قوسين أو أدني فلم تجب فدخلت البيت وكشفت الرداء عنها فإذا بها قد قضت نحبها شهيدة صابرة مظلومة محتسبة ما بين المغرب والعشاء فوقعت عليها اقبلها وأقول: يا فاطمة إذا قدمت على أبيك صلي الله عليه وآله فاقرئيه مني السلام فبينا هي كذلك وإذا بالحسن والحسين دخلا الدار وعرفا انها ميتة فوقع الحسن يقبلها ويقول: يا اماه كلميني قبل أن تفارق روحي بدني والحسين يقبّل رجلها ويقول: يا اماه أنا ابنك الحسين كلميني قبل أن ينصدع قلبي فأموت ثم خرجا الى المسجد وأعلما أباهما بشهادة امهما فأقبل أمير المؤمنين الى المنزل وهو يقول: بمن العزاء يا بنت محمد كنت بك أتعزي ففيم العزاء من بعدك.
و قال عليه السلام: اللهم اني راض عن ابنة نبيك صلي الله عليه وآله اللهم انها قد أوحشت فآنسها وهجرت فصلها وظلمت فاحكم لها يا أحكم الحاكمين.
و خرجت ام كلثوم متجللة برداء وهي تصيح: يا أبتاه يا رسول الله الآن حقا فقدناك فقداً لا لقاء بعده وكثر الصراخ في المدينة على ابنة رسول الله واجتمع الناس ينتظرون خروج الجنازة فخرج اليهم أبوذر وقال: انصرفوا ان ابنة رسول الله اخر إخراجها هذه العشية.
و أخذ أمير المؤمنين في غسلها وعلله الإمام الصادق عليه السلام بأنها صديقة فلا يغسلها إلا صدّيق كما ان مريم لم يغسلها إلا عيسى عليه السلام وقال عليه السلام: ان عليا أفاض عليها من الماء ثلاثا وخمسا وجعل في الخامسة شيئا من الكافور وكان يقول: اللهم انها أمتك وبنت رسولك وخيرتك من خلقك اللهم لقنها حجتها وأعظم برهانها واعل درجتها واجمع بينها وبين محمد صلي الله عليه وآله. وحنطها من فاضل حنوط رسول الله الذي جاء به جبرئيل فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا علي ويا فاطمة هذا حنوط من الجنة دفعه الى جبرئيل وهو يقرئكما السلام ويقول لكما اقسماه وأعزلا منه لي ولكما. فقالت فاطمة ثلثه لك والباقي ينظر فيه علي عليه السلام فبكى رسول الله وضمها إليه وقال: انك موفقة رشيدة مهدية ملهمة يا علي قل في الباقي، فقال: نصف منه لها ونصف لمن ترى يا رسول الله، قال هو لك.
و كفنها في سبعة أثواب وقبل أن يعقد الرداء عليها نادى: يا ام كلثوم يا زينب يا فضة يا حسن يا حسين هلموا وتزودوا من امكم الزهراء فهذا الفراق واللقاء في الجنّة. فأقبل الحسنان عليهما السلام يقولان: واحسرتا لا تنطفيء من فقد جدنا محمد المصطفى وامنا الزهراء إذا لقيت جدنا فاقرأيه منا السلام وقولي له إنّا بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا, فقال أمير المؤمنين عليه السلام: اشهد الله انها حنّت وأنّت ومدت يديها وضمتها الى صدرها مليا وإذا بهاتف من السماء ينادي! يا أبا الحسنين ارفعها عنها فلقد ابكيها والله ملائكة السماء فرفعها عنها وعقد الرداء عليها.
و صلي عليها ومعه الحسن والحسين وعقيل وعمار وسلمان والمقداد وأبوذر ودفنها في بيتها.
ولما وضعها في اللحد قال: بسم الله الرحمن الرحيم
"بسم الله وبالله وعلي ملة رسول الله محمد بن عبدالله سلمتك أيتها الصديقة الى من هو أولى بك مني ورضيت لك بما رضي الله لك ثم قرأ: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى".
و في حديث غيرنا ان أمير المؤمنين لما أنزلها في القبر وسواه عليها سألها الملكان: من ربك؟ قالت: الله ربي, قالا: ومن نبيك؟ قالت: أبي محمد, قالا: ومن إمامك؟ قالت: هذا القائم على قبري علي.
ثم انه عليه السلام سوى في البقيع سبعة قبور أو أربعين قبرا ولما عرف الشيوخ دفنها وفي البقيع قبور جدد أشكل عليهم الامر فقالوا: هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور لنخرجها ونصلي عليها فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فخرج مغضبا عليه قباؤه الأصفر الذي يلبسه عند الكريهة وبيده ذوالفقار وهو يقسم بالله لئن حول من القبور حجر ليضعنّ السيف فيهم فتلقاه عمر ومعه أصحابه فقال له مالك: والله يا أبا الحسن لننبشن قبرها ونصلي عليها.
فأخذ أمير المؤمنين بمجامع ثوبه وضرب به الأرض وقال له: يا ابن السوداء أما حقي فقد تركته مخافة أن يرتدّ الناس عن دينهم وأما قبر فاطمة فو الذي نفس عليٍّ بيده لئن حول منه حجر لأسقينّ الأرض من دمائكم. وجاء أبوبكر وأقسم عليه برسول الله أن يتركه فخلي عنه وتفرّق الناس.
بعد دفنها
لما وضع أمير المؤمنين عليه السلام الصديقة الطاهرة في لحدها وسوى التراب على القبر هاج به الحزن وأرسل دموعه على خدّيه وأنشأ يقول:
وكل الذي دون الفراق قليل
لكل اجتماع من خليلين فرقة
دليل على أن لا يدوم خليل
وان افتقادي فاطما بعد أحمد
وقال ايضا:
يا ليتها خرجت مع الزفرات
نفسي على زفراتها محبوسة
أبكي مخافة أن تطول حياتي
لا خير بعدك في الحياة وانما
ثم حوّل وجهه الى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: السلام عليك يا رسول الله مني ومن ابنتك وحبيبتك وقرة عينيك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك والمختار لها الله سرعة اللحاق بك قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري وضعف عن سيدة النساء تجلدي الا ان لي في التأسي بسنتك والحزن الذي حل بي لفراقك موضع التعزي فلقد وسدتك في ملحودة قبرك بعد أن فاضت نفسك على صدري وغمضتك بيدي وتولّيت أمرك بنفسي نعم وفي كتاب الله أنعم القبول إنا لله وإنا اليه راجعون.
قد استرجعت الوديعة واخذت الرهينة واختلست الزهراء فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله أما حزني فسرمد وأما ليلي فمسهد لا يبرح الحزن أو يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم كمد مقيح وهم مهيج سرعان ما فرق بيننا والى الله أشكو.
و ستنبئك ابنتك بتظاهر امتك علي وعلى هضمها حقها فاستخبرها الحال فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد الى بثه سبيلا ويحكم الله وهو خير الحاكمين.
سلام عليك سلام مودع لا سأل ولا قال فإن أنصرف لا عن ملالة وإن أقم فلا سوء ظن بما وعد الله الصابرين والصبر أيمن وأجمل, ولولا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاما واللبث عنده معكوفا ولأعولت أعوال الثكلى على جليل الرزية فبعين الله تدفن ابنتك سرا ويهتضم حقها قهرا ويمنع إرثها جهرا ولم يطل العهد ولم يخل منك الذكر فإلي الله المشتكى وفيك أجمل العزاء وصلوات الله عليك وعليها ورحمة الله وبركاته.