وفيما يلي نص البيان الختامي للمؤتمر الدولي الخامس والثلاثين للوحدة الإسلامية:
بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
«إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ» (الأنبياء/92)
بفضل الله تبارك وتعالي تمت إقامة مؤتمر الوحدة الإسلامية الدولي بدورته الخامسة والثلاثين تحت عنوان الوحدة الإسلامية والصلح والحذر من الفرقة والصراع في العالم الإسلامي وذلك بمشاركة واسعة من العلماء والنخب من مختلف الدول الإسلامية بصورة حضورية وفي الفضاء الافتراضي مع مراعاة الأسس الصحيّة.
لقد تمت إقامة هذا المؤتمر في ظروف يحتاج فيها العالم بعامة والعالم الإسلامي بخاصة إلي العدالة والسلام أكثر من أيّ وقت مضي.
كان النبي الأكرم صلّي الله عليه وآله وسلم أسوة للسلام والأخوة حيث كان يشجع المسلمين علي الأخوة والمودّة وتجنب الصراع. إنّ الهدف من بعثته صلي الله عليه وآله وسلم هو إحياء الأخلاق الإسلامية السامية في المجتمع وتعليم العدالة والسلام للعالم. كما أنّ مراجعة سيرته العطرة من شأنها أن تشقّ الطريق نحو تحقيق العدالة والسلام وتجنب التفرقة والتشرذم في العالم الإسلامي.
الاستكبار العالمي في عالمنا المعاصر قد راي مصالحه في صراع المسلمين وشرذمتهم وقد بذل جهوداً حثيثة في سبيل تعميق الفتنة فيما بينهم.
ومن أجل مواجهة هذه المكائد أطلق المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية علي المؤتمر الخامس والثلاثين للوحدة الإسلامية عنوان "الوحدة الإسلامية والصلح والحذر من التفرقة والصراع في العالم الإسلامي".
وفيما ألقي من كلمات وما دار من نقاشات ومداولات تمّ تناول الموضوعات المتعلقة بمحاور المؤتمر وهي:
الأول: الحرب والسلام العادل. الثاني: الأخوّة الإسلامية ومكافحة الإرهاب، الثالث: الحرية الفكرية الدينية، وقبول الاجتهاد المذهبي ومواجهة تيار التكفير والتطرف، الرابع: المواساة الإسلامية وتجنب التخاصم والنزاع، الخامس: الاحترام المتبادل بين المذاهب الإسلامية، ومراعاة أدب الاختلاف والنأي عن النزاع وانتهاك الحرمات والإهانة، السادس: مشروع الأمة الواحدة ورابطة البلدان الإسلامية ونقد الإطارات القائمة.
وأهتمّ المؤتمر، إلى جانب تلك المحاور، بالتركيز على فلسطين والمقاومة الإسلامية، وإكرامًا للأمين العام الأسبق للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية آية الله الشيخ محمدعلي التسخيري كان للمؤتمر اهتمام خاص بمشاريعه الفكرية والعملية.
ولقد حظي المؤتمرون بلقاء السيد رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران "آية الله السيد ابراهيم رئيسي" حيث ألقى كلمة بيّن فيها حاجة العالم الإسلامي الماسة إلى الوحدة لمواجهة التحديات القائمة.
الواقع الذي يعيشه العالم الإسلامي اليوم بكل ما فيه من تحديات وما يكتنفه من آفاق يبشّر بغدٍ أفضل، كان أهمَّ ما شغل بال المشاركين الكرام، وما تحدثوا عنه في كلماتهم ومُداخلاتهم والمشترك في كل ما تفضلوا به سنبيّنه في النقاط التالية:
في البداية شَكر المشاركون في المؤتمر الخامس والثلاثين، الجمهورية الإسلامية في إيران والمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية وخاصة أمينه العام الشيخ الدكتور حميد شهرياري لإقامة هذا المؤتمر ولاهتمامهم بأمر الوحدة الإسلامية و التقريب بين المذاهب الإسلامية، بل التقريب بين شعوب العالم من أجل تحقيق الأهداف الإنسانية الكبرى. وتمنّوا للجمهورية الإسلامية أن تواصل هذه الطريق ذات الشوكة حتى تحقيق النصر النهائي للأمة بإذن الله تعالى.
إنّ واقع الساحة العالمية يتطلب من كل أصحاب القرار السياسي ومن كل الأطياف الفكرية والعلمية والإعلامية والفنية أن يعملوا على إخماد نيران الحروب العدوانية وأن يوفّروا الأجواء لإحلال السلام في ربوع المعمورة وهذا يتطلب تعاونًا دوليًا مخلصًا بعيدًا عن ممارسة الضغوط والتهديد، وعن تدخل القوى التي تعمل جاهدة على إشعال نيران الفتن والحروب في العالم كما يتطلب تبيان دور الاستعمار والاستكبار العالمي في الحروب المعاصرة التي تشهدها الدول الإسلامية وقد تم التأكيد علي طرق مواجهة هذا الدور في أثناء المؤتمر.
إنّ الأزمات الموجودة في العالم بعامة وفي الدول الإسلامية بخاصة والتي تتمثل في الحروب والصراعات وحالات الإرهاب إلي جانب سوء الإدارة وعدم أهلية المجتمعات الدولية لمعالجة هذه الأزمات لهي أمورٌ تظهر ضرورة مبادرة الدول الإسلامية إلي معالجتها أكثر من أي وقت مضي. إنّ جذور الإرهاب لا يمكن استئصالها إلا بتجفيف مصادر تغذيتها بالمال والسلاح والفكر المتطرّف المتخلّف وهذا يحتاج إلى توعية شاملة للأمة كي لا تفتح ثغرات ولا توفر أجواء تمكّن الأعداء من توسيع نطاق هذه الظاهرة المؤلمة التي تستهدف الإساءة إلى الإسلام والمسلمين وإلى كل ما يحمله المسلمون من شعارات مقدّسة.
من الضروري إشاعة مفهوم الأخوّة الإسلامية بين المسلمين في البلدان الإسلامية وخارجها باعتباره فريضة يجب تربية الأجيال عليها، مع بيان ما تستوجبه هذه الفريضة من سلوك وتعامل، والتأكيد على أن هذه الفريضة الإنسانية الإسلامية الهامة لا يمكن تحقيقها إلاّ بإزالة الأغلال من القلوب إذ لا تتحقق الأخوّة مع وجود الأغلال، الطائفية منها والعنصرية والذاتية الأنانية، والآية الكريمة ترشدنا إلى ذلك بقوله تعالى: "وَنَزَعنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا ".
طالب المؤتمرون بتوسيع الحوارات العلمية بين العلماء والشخصيات الدينية والثقافية الفاعلة في العالم الإسلامي وبتبيان الأساليب التي يعتمد عليها الاستكبار العالمي لإزالة الأخوة الإسلامية ولإشاعة الإرهاب كما طالبوا بتبيان طرق مواجهة هذه الأساليب وبتحقيق الاستفادة القصوي من نفوذ القادة الدينيين والاجتماعيين في الدول الإسلامية لتحقيق هذا الهدف.
ركز المشاركون على القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المحورية على الساحتين الدولية والإسلامية، وأكدوا أن السلام والأمن والاستقرار في المنطقة بل في العالم لا يمكن أن يستتب إلا بإزالة بؤر الأزمات المتمثلة بالصهيونية العالمية وغدّتها السرطانية اسرائيل. وبشأن القضية الفلسطينية أكد المشاركون أن الحل الأمثل لهذه القضية هو المشروع الذي قدمته الجمهورية الإسلامية بشأن إجراء استفتاء عام للفلسطينيين بكافة أديانهم داخل الأرض المحتلة وفي الشتات بشأن مستقبل بلدهم. وهو مشروع ديمقراطي عادل يتناسب مع الأعراف الدولية والمبادئ الإنسانية.
أكد المشاركون أن التطبيع الذي تسارعت إليه بعض البلدان مع الأسف يشجع الاحتلال على التمادي في غيّه وبطشه وعدوانه، ودعوا تلك البلدان إلى إعادة النظر في مواقفها وطالبوا شعوب تلك البلدان أن تعلن مواقفها لهذا التراجع المذلّ.
يحيّي المشاركون فصائل المقاومة الصامدة في وجه الاحتلال الصهيوني مطالبين بلدان العالم الإسلامي مساندتها ومساعدتها فإنها تمثل رمز ما نحن عليه من عزّة وكرامة، كما حيّوا جهود الأسرى الفلسطينيين الرابضين في سجون الاحتلال، وعوائل الشهداء الذين قدّموا فِلذاتِ أكبادهم في سبيل الله ودعوا الله سبحانه وتعالى أن يتغمد الشهداء برحمته الواسعة و يُلهم ذويهم الصبر والسلوان.
نظراً إلي إزاحة الستار عن "موسوعة العلامة الشيخ التسخيري" في الحفل الافتتاحي أكد المؤتمرون علي ضرورة الاهتمام بأفكار آية الله التسخيري التقريبية في مجالات التفسير والفقه والحقوق والاقتصاد وغير ذلك من العلوم الإسلامية والإنسانية، واصفين الفقيد الراحل برائد الوحدة والتقريب في العالم الإسلامي.
إنّ المقترح المُبدَع الذي طرحه الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية والذي يقضي بإنشاء «رابطة الدول الإسلامية» وبتبيان إطارها لقي ترحيباً واسعاً من قبل المشاركين في المؤتمر حيث اعتبروا إنشاء هذه الرابطة خطوة جبّارة في سبيل تحقيق الأمة الواحدة والحضارة الإسلامية الحديثة كما أكدوا أنّ هذه الرابطة من شأنها أن توسّع التعاون و التعاضد بين الدول الإسلامية وأن تحول دون حالات التفرقة والاعتداء في العالم الإسلامي. وفي الوقت نفسه طالب المؤتمرون بوضع خطوة تنفيذية جديدة لتحقيق هذا الإطار في المستقبل القريب علي أن يتولي القادة والساسة وعلماء العالم الإسلامي مهمة تنفيذ هذه الخطوة المهمة.