مع توافد آلاف الزوار صباح يوم السبت الماضي، فتح معرض إسطنبول الدولي للكتاب العربي باب الأمل من جديد بعودة الحياة الثقافية العربية في المدينة التركية إلى سابق عهدها بعد توقفها عامين جراء جائحة كورونا.
وتدلّ كثير من المؤشرات على عمق الاهتمام العربي بالمعرض الذي يمثل حجر زاوية في الفعاليات والأنشطة الثقافية، ومن بينها العدد الكبير للمؤسسات الثقافية العارضة ودور النشر المشاركة وعدد الكتب والمؤلفات والزوار الذين ضاقت بهم أروقة المعرض المقام على مساحة تتجاوز 5 آلاف و250 مترا مربعا.
ومنذ ساعات الافتتاح تدفق آلاف من الزائرين العرب والأتراك على المعرض الذي يعدّ الأضخم للكتاب العربي خارج البلاد العربية، وفق ما أكد مهدي جميلي رئيس جمعية ناشري الكتاب العربي في حفل الافتتاح، في حين عدّ ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المعرض منصة بالغة الأهمية للتبادل الثقافي بين تركيا والعالم العربي.
وشارك أكثر من 250 دار نشر ومؤسسة ثقافية من 23 دولة في فعاليات النسخة السادسة من المعرض، من بينها تركيا وقطر وفلسطين ولبنان وسوريا والعراق ومصر والسودان والجزائر والسعودية والإمارات والكويت وإيران والأردن وليبيا والمغرب وتونس والولايات المتحدة الأميركية وإسبانيا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا.
ويضم المعرض الذي يستمر من التاسع إلى 17 أكتوبر/تشرين الأول الجاري آلاف الكتب والمطبوعات والمصنفات والوثائق والمخطوطات والمنتجات الفكرية الورقية والرقمية في مجالات العلوم والثقافة والطب والهندسة والشعر والأدب ومؤلفات السياسية والدين والفلسفة والتراث.
وينظم المعرض كل من الجمعية الدولية لناشري الكتاب العربي واتحاد الناشرين الأتراك وجمعية الناشرين الأتراك، ومن المتوقع أن يتجاوز تعداد زوّاره هذا العام 100 ألف زائر.
وتمثل تركيا مركزا مهما لسياحة الفعاليات والأنشطة التي بلغ متوسط تعدادها سنويا قبل الجائحة نحو 70 ألف فعالية في القطاعات كافة قبل أن تتوقف مع فرض إجراءات حظر السفر وقيود التجمع أواخر عام 2019.
حلّق بالمعرفة
ومثلما كان عليه الحال قبل الجائحة، يبدي الأتراك اهتماما استثنائيا بالمعرض عكسته المشاركة الحكومية الرسمية في الافتتاح، وما قدمته الدولة التركية من تسهيلات لإطلاق النسخة السادسة من المعرض.
كما أبدت وسائل الإعلام التركية اهتماما كبيرا بالمعرض الذي يقام على أرض المعارض الدولية في "مركز التجارة العالمي" الشهير بالشطر الأوروبي من مدينة إسطنبول تحت شعار "حلّق بالمعرفة".
وقال الدكتور أحمد أغير أقشة مؤسس دار "أكديم إسطنبول" إن عدد زائري المعرض فاق توقعاته وتوقعات المنظمين بالعموم، مؤكدا أن الكتاب يعكس حجم إقبال الجالية العربية الكبيرة في إسطنبول على الفعاليات الثقافية العربية.
وعبّر الأكاديمي التركي والرئيس السابق لجامعة ماردين عن أمله أن يتحول المعرض إلى همزة وصل بين العرب وتركيا في المجال الثقافي، موضحا أن المعرض يشير إلى عدد من القضايا من بينها ترحيب تركيا بالعرب وجالياتهم الكبرى الممتدة على التراب التركي.
وأوضح أن تركيا استفادت ثقافيا إلى حد كبير من الوجود العربي على أرضها في مجالات التعليم والعلوم والفكر وتعليم اللغة العربية وغيرها من مجالات المثاقفة الحضارية ومراكز تدريس العربية كما هو الحال في مدارس الإمام خطيب الشهيرة في تركيا.
ويستضيف المعرض حفلات إشهار 17 مؤلفا جديدا لكتّاب ومفكرين ومؤلفين، ويعرض النسخة العربية لكتاب "من الممكن الوصول إلى عالم أكثر عدلًا" للرئيس التركب رجب طيب أردوغان، كما يتخلله تنفيذ 65 فعالية ونشاطا ثقافيا موزعة على ندوات ومحاضرات وورش عمل أدبية وعلمية وثقافية وسياسية وفكرية.
عكاظ إسطنبول
ويعوّل المشاركون في المعرض على عودته لإنعاش الحركة الثقافية العربية في إسطنبول التي باتت كما يقول كثير منهم موئلا لصانعي الفكر والثقافة والمعرفة العربية بخاصة في ظل الانتشار المتسارع لدور الطباعة والنشر والمكتبات والمراكز العربية فيها.
وقال المهندس النادي رجب المدير التنفيذي لمؤسسة سفراء للتطوير المهني إن المؤسسات العربية في تركيا لا تنظر إلى المعرض باعتباره مكانا لجمع الكتب الحديثة وعرضها بقدر ما ترى فيه ملتقى قلّ نظيره لرواد الفكر والمعرفة من جميع أقطار العالم العربي ودول العالم.
وأوضح رجب أن المجتمع العربي في تركيا وفي إسطنبول على وجه الخصوص لم يعد يفتقد الكتاب العربي بعد انتشار المكتبات والمطابع ودور النشر العربية أخيرا، لكنه أكد أن المعرض بات فرصة للقاءات وعقد الشراكات وبناء العلاقات بين كل الجهات المهتمة بالمعرفة في العالم العربي.
وأشار إلى أن إقبال الزوّار الكبير على المعرض لم يتأثر بتزايد الأحاديث عن عودة الإصابات بفيروس كورونا للارتفاع في تركيا نظرًا لاتباع إجراءات التباعد واستخدام الكمامات وتوفير أنظمة التعقيم من جهة، وللتسارع الكبير في أعداد الحاصلين على جرعتي اللقاح ضد كورونا من جهة أخرى.