هذا واتهمت الهند بسببها،"بكين" باستخدام هذه التقنية لسرقة الأمطار الهندية، واستخدام الاستمطار كسلاح من أجل زيادة حدة الجفاف والقضاء على الزراعة في الأراضي الهندية.
في أواخر عام 2020، كشفت الصين النقاب عن خططها الرامية للسيطرة على الطقس من خلال تقنية الاستمطار التي تهدف إلى إنتاج الأمطار والثلوج بشكل صناعي، والتي من خلالها ستكون قادرة على تغطية مساحة تصل إلى نحو 5.5 مليون ميل مربع بحلول عام 2025، أي ما يعادل مساحة أكبر من الهند بـ 1.5 مرة.
ومنذ حوالي 6 عقود، تستخدم الصين تقنية استمطار الغيوم وتجري تجارب موسعة عليها، حيث وظفت طائراتها ومدافعها من أجل تلقيح السحب بيوديد الفضة أو الثلج الجاف (ثنائي أكسيد الكربون)، وهو ما يسمى بعملية الاستمطار من خلال تقنية "بذر السحب" (Cloud Seeding)، والتي وحتى وقت قريب كانت تستخدمها بكين على مستوى محلي صغير نسبياً للتخفيف من الجفاف الذي يضرب الأراضي الزراعية، أو لمنع تساقط الأمطار وإخلاء السماء من السحب في المناسبات الكبرى، كما حدث في أولمبياد بكين عام 2008.
إلا أن هذه التقنية من شأنها أن تؤثر على البيئة والمناخ بشكل سلبي فضلاً عما قد تثيره مع صراعات مع البلدان المجاورة للصين مبدئياً، وبالأخص الهند التي تشارك الصين حدوداً متنازعاً عليها، وتربطهما نزاعات مائية كبيرة بسبب السدود الصينية.
حرب السحب
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتزامناً مع بدء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، اهتمت المؤسسة العسكرية بعلوم الطقس والتغيير المناخي وأطلقت مشروعاً لتوظيف الاستمطار كسلاح عسكري، والذي بدأت تجاربه الأولى في عام 1946.
وخلال حرب فيتنام، وبعد فشل الولايات المتحدة من صد الهجمات الفيتنامية على القوات الأمريكية، استعان الجيش الأمريكي عام 1963 لأول مرة بطائرته من أجل حق السحب وخلق جو ماطر لتعطيل الطرق الزراعية وقطع خطوط الإمدادات الفيتنامية، في عملية أطلق عليها اسم (Popeye). يذكر أن هذه العملية كلفت الخزينة الأمريكية وقتها أكثر من 3.5 مليون دولار.
ورداً على استخدام أمريكا الاستمطار لأهداف عسكرية، قدم الاتحاد السوفييتي عام 1974 مشروع اتفاقية للجمعية العامة للأمم المتحدة تحظر استخدام التعديل المناخي لأغراض عسكرية، دخلت حيز التنفيذ منذ العام 1978.
وعلى الرغم من الاتفاقية تحظر استخدام تقنية الاستمطار بشكل يضر بالبيئة ويخلق تغييرات مناخية شديدة في أماكن أخرى، إلا أن الهند تدعي بأن الصين تستهدف السحب القادمة إليها وتفرغها من حمولتها قبل وصولها إلى الهند، الأمر الذي زاد من حدة الجفاف في الهند وأثر سلباً على الزراعة.
الهند متوجسة
الهند من جانبها قلقة ومتوجسة من التحركات الصينية المتسارعة لتطوير هذه التقنية التي تلحق أضراراً بالغة بالهند والدول الآسيوية الأخرى المحيطة بالصين، خصوصاً بعد إعلان بكين عن مشروعها الجديد المسمى "نظام متطور لتعديل الطقس" والذي سيكون جاهزاً بحلول عام 2025، فضلاً عن مشروعها السابق الذي أطلقته في عام 2017 وخصصت له ميزانية تجاوزت 168 مليون دولار من أجل تغطية ما يقارب 10% من الأراضي الصينية.
فإلى جانب صراعهما الحدودي، والمشاكل بين البلدين بسبب بناء الصين سدود على "براهما بوترا" (Brahmaputra) الذي ينبع من هضبة التبت ويعبر الأراضي الهندية إلى بنغلادش ويوفر لهما احتياجاتهم من مياه الشرب والزراعة، إلا أن قلق الهند الأكبر يكمن في تقنية الاستمطار الصينية وتأثيرها الذي أصبح ملموساً على موسم الأمطار الذي تعتمد عليه الزراعة في الهند اعتماداً كلياً، وأصبح من الصعب التنبؤ به.
وهو الأمر الذي دفع الصحف الهندية لكيل الاتهامات للصين باستخدامها تقنية الاستمطار كسلاح من خلال سرقة الأمطار الهنية وتعطيل أنماط وفترات الهطول، والمساهمة بزيادة حدة الجفاف بشكل متعمد ومدروس في الهند.
تقنية الاستمطار
الاستمطار: هو تقنية لتعديل الطقس بشكل متعمد وحث السحب على إفراغ حمولتها من المياه من خلال خلق بيئة فيزيائية دقيقة داخل السحب باستخدام مواد كيميائية مثل يوديد الفضة ويوديد البوتاسيوم والثلج الجاف، والتي تعمل كنواه جليدية مكثفة للغيوم. وبجانب التحكم بالأمطار وكميتها، يستخدم الاستمطار في إخماد البرد والضباب وإخلاء السحب من السماء أيضاً.
وترجع تقنيات الاستمطار إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتحديداً في عام 1943، عندما اكتشف علماء في مختبرات شركة "جنرال إلكتريك" الأمريكية أنه يمكنهم من خلال استخدام مركب يوديد الفضة (AgI) بشكل مخفض زيادة تشكّل البلورات الجليدية في السحب وتحفيز الغيوم على إفراغ حمولتها.
وعلى الرغم من أن هذه المادة لا تزال تستخدم حتى الآن في تقنية الاستمطار، إلا أن الأبحاث التي أجريت على مدى أكثر من 7 عقود أدّت إلى تحسن كبير في التقنيات وإدخال مواد كيمائية جديدة أخرى، فضلاً عن استخدام التكنولوجيا الحديثة التي توظف الشحنات الكهربائية بدلاً من المواد الكيمائية كما فعلت الإمارات عام 2021، أو الأشعة تحت الحمراء التي اختبرت فوق سماء برلين عام 2010.