حيث قضين ثلاثة أيّام في كربلاء، ولم تهدأ لهنّ عبرة حتّى بُحّت أصواتُهُنّ وتفتّت قلوبُهُنّ، وخاف الإمام زين العابدين (عليه السّلام) على عمّته زينب وباقي العلويّات من الهلاك، فأمرهنّ بالسفر إلى يثرب، فغادرن كربلاء بين صراخٍ وعويل.
وقال غيره: ثمّ أمَرَ علي بن الحسين (عليه السلام) بشدّ رحاله فشدّوها، فصاحت سكينة بالنساء لتوديع قبر أبيها وبكت بكاءً شديداً وحنّت وأنّت، وأنشأت تقول:
ألا يا كربلا نودعـك جسـمًا بلا كـفـنٍ ولا غُـســلٍ دفـينـا
ألا يا كربلا نــودعـك روحًا لأحمدَ والوصيّ مع الأمينا
وعن بعضهم قيل لعليّ بن الحسين (عليه السلام): دع النساء تتزوّد من أهلها؟ فقال: يا قوم إنّكم لاترون ما أرى، إنّي أخشى على عمّتي زينب أن تموت، إنّها تقوم من قبرٍ إلى قبرٍ وهي تمرّغ جبينها على تراب أخيها الحسين تأسّفاً وحسرةً عليه..
ولمّا قيل للعقيلة زينب (عليها السلام): قومي يا بنت الطيّبين.. قالت: إلى أين؟ قالوا: إلى المدينة. قالت: ومَنْ ذا بقي لي في المدينة.
واتّجه موكبُ سبايا أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) إلى يثرب، وأخذ يجدّ في السير لا يلوي على شيء، وقد غامت عيون بنات رسول الل ه(صلّى الله عليه وآله) بالدموع وهنّ ينحبنَ ويندبنَ قتلاهنّ ويذكرنَ بمزيدٍ من اللوعة ما جرى عليهنّ من الذلّ.
وكانت يثرب قبل قدوم السبايا إليها ترفل في ثياب الحزن على السيّدة أُمّ سلمة زوجة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فقد توفّيت بعد قتل الحسين (عليه السّلام) بشهرٍ كمداً وحزناً عليه.