فلتباهي بفاطم أرض «قم»
ولها الفخر والثناء المكرر
اسمها شاع في الأنام بفخر
ولها ينظم المديح وينثر
شأنها قد سما جلالاً وقدراً
واجتباها الاله من عالم الذر
وحباها حلماً وقلباً صبوراً
وجميل العقبى لمن قد تصبر
شأنها ذا من فاطم بنت طه
فهي كالنور واضح ليس ينكر
هي اخت الرضا علي بن موسى
وأبوها الامام موسى بن جعفر
*******
السلام عليك يا اخت ولي الله يا فاطمة بنت موسى، عرف الله بيننا وبينكم في الجنة وحشرنا في زمرتكم واوردنا حوض نبيكم وسقانا بأس جدكم من يد علي بن ابي طالب صلوات الله عليكم.
كثيرون هم الذين يأتون الى هذا العالم ويذهبون كما جاءوا، لم يخلفوا سوى خمول ذكر، ولكن قليلون هم الذين خلفوا حسن ذكر، وسادة القلة واشرافها هم الانبياء والاوصياء عليهم السلام، وكذا الاولياء والصلحاء «رضوان الله عليهم»، وكان في طليعتهم ما أنجب البيت النبوي الشريف... مثل السيدة العقيلة زينب الكبرى بنت امير المؤمنين، والسيدة سكينة بنت الامام الحسين، والمرأة المجللة ام البنين فاطمة بنت حزام، وابي الفضل العباس وعلي الاكبر، ومسلم بن عقيل ... وغيرهم كالسيدة فاطمة المعصومة بنت الامام الكاظم عليه وعليها السلام، التي نمت ونشأت وترعرعت في بيت الوحي والامامة، فشاركت اهلها في حفظ معالم الاسلام الأصيل، وعاشت معهم سنوات المحنة والمعاناة، وخلفت سيرةً زاكيةً في تاريخ اهل هذا البيت الشريف.
ابنة من تكون فاطمة المعصومة صاحبة القبر الجليل في قم المقدسة، تعالوا نستمع الى ما قاله بعض علماء اهل السنة في والدها : قال ابن الجوزي في كتابه (صفة الصفوة): كان موسى يدعى بـ«العبد الصالح» لأجل عبادته واجتهاده وقيامه بالليل، وكان كريماً، حليماً، اذا بلغه عن رجل انه يؤذيه بعث اليه بمال.
وقال ابن حجر الهيثمي في (الصواعق المحرقة): موسى الكاظم هو وارث جعفر الصادق علماً ومعرفةً وكمالاً وفضلاً، سمي بـ«الكاظم» لكثرة حلمه وتجاوزه عن الآخرين، وكان معروفاً عند أهل العراق بـ«باب قضاء الحوائج عند الله»، وكان أعبد أهل زمانه، واعلمهم وأسخاهم.
وكتب محمد بن طلحة الشافعي في كتابه (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول): الكاظم، هو الامام الكبير القدر، العظيم الشأن الكثير التهجد، المشهور بالكرامات والعبادة، المواظب على الطاعات... كان يجازي المسئ اليه بإحسانه، ويقابل الجاني عليه بعفوه عنه.. كراماته تحار منها العقول، وتقضي بان له عندالله قدم صدق لايزول.
أجل ... أيها الاخوة الاعزة، وفاطمة المعصومة هي ابنة هذا الرجل الطيب العابد السخي، والعالم الوارث علوم النبي، ذي العفو والحلم والجود، وذي البركات والكرامات حتى كان من مشهور ألقابه «باب الحوائج الى الله تعالى»، لنجح مطالب المتوسلين الى الله به. وفاطمة المعصومة سليلة هذا الامام الكريم على الله عزوجل.
نقل العالم الجليل علاء الدين ابن العرندس الحلي من اعلام علماء القرن الهجري التاسع في كتابه الموسوم «كشف الثاني» الذي توجد نسخة خطية منه في مكتبة الشوشترية في النجف رواية مضمونها ان فاطمة بنت الامام الكاظم قد أجابت على اسئلة الوافدين على ابيها، ولم يكن موجودا في المدينة عند وفودهم فلما نقل نص جوابها من خلف الستار لهم... نقل الى ابيها الكاظم عليه السلام صدقها وقال: فداها ابوها، حكت بحكم الله. وكانوا قد التقوا به عليه السلام وهم خارجون المدينة فعرضوا عليه اجوبة ابنته عليه.
نعم ... فقد كانت محدثةً عالمة، وراوية فهمة، وقد جاء عن الامام جعفر الصادق عليه السلام قوله في فضل الرواة: الراوية لحديثنا... يشد به قلوب شيعتنا، افضل من الف عابد.
وكان من الروايات الشريفة التي كانت قد رويت عن فاطمة المعصومة ان فاطمة بنت الامام الرضا حدثت عن فاطمة المعصومة وعن أختيها ام كلثوم وزينب، عن فاطمة بنت الامام الصادق، عن فاطمة بنت الامام محمد الباقر، عن فاطمة بنت الامام زين العابدين عن فاطمة بنت الحسين، عن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله انها قالت للقوم: انسيتم قول رسول الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خم: من كنت مولاه، فعلي مولاه؟ وقوله صلى الله عليه وآله: انت مني بمنزلة هارون من موسى عليهما السلام؟!
روى ذلك الحافظ شمس الدين محمد بن محمد الجزري ابن الأثير، واخرجه الحافظ المديني في كتابه (المسلسل بالأسماء) وقال: هذا الحديث مسلسل من وجه آخر، وهو أن كل واحدة من الفواطم تروي عن عمة لها، فالحديث رواية خمس بنات أخبرت كل واحدة منهن عن عمتها.
تلك احدي رواياتها سلام الله عليها - أيها الاخوة المؤمنون- تثبت من خلالها معلماً مهماً من معالم العقيدة، وتحيي ذكراً شريفاً في الرسالة المحمدية الشريفة... فتروي من خلال سلسلة طاهرة متصلة بأهل البيت وبنات الوحي، عن الفواطم العالمات، ومنهن فاطمة المعصومة دفينة قم المقدسة.
ننقل في هذه الفقرة كرامة اخرى من كرامات بنت باب الحوائج فاطمة المعصومة سلام الله عليها نشرتها موثقة تفاصيلها مجلة «كوش» الايرانية في عددها الاول وعلى الصفحات ٤۸ الى ٥۱ منها.
والكرامة حدثت لفتاة، من اهالي مدينة «بهشهر» الايرانية الم بها مرض عضال لم تجد نفعاً جهود الاطباء في معالجته فقرروا نقلها الى طهران اثر ازدياد حالتها سوءاً.
اضطر والدا هذه الفتاة واسمها فاطمة الى حجز سرير لها في مستشفى ساسان في العاصمة لان المرض قد استشرى في بدنها الى درجة جعلتها عاجزةً عن السير بل وعن تناول الطعام.
كان من المقرر ان تنقل فاطمة في يوم الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك الى المستشفى المذكور، فاقترحت والدتها على زوجها ان يذهبا بها الى قم اولاً ويتوسلا الى الله بالسيدة المعصومة عسى ان يمن عليهم بشفاء هذه الفتاة التي كانت تذوب امام اعينهما كالشمعة.
وافق الوالد على هذا الاقتراح وذهبوا الى قم ليلة التاسع عشر من شهر رمضان، وامضوا ليلتهم الاولى في حرم السيدة. وفي ليلة الحادي والعشرين ذكرى استشهاد امير المؤمنين علي بن ابي طالب ذهبا الى الحرم ومعهما ابنتهما العليلة ليشاركوا افول المؤمنين في اقامة مراسم العزاء بذكرى استشهاد مولى المتقين عليه السلام.
عندما عادوا بعد منتصف الليل الى الفندق كانت حالة الفتاة قد اشتدت الى درجة اضطر الوالد الى ان يحتضنها ويأتي بها محمولة على كتفه الى حرم السيدة في الزيارة الاخيرة قبل نقلها الى طهران.
ارقد الأب ابنته بجوار الضريح المقدس وذهب الى محل اقامة صلاة الفجر فيما ذهبت الوالدة الى القسم الخاص بالنساء لكي تؤدي الفريضة وتتوسل الى الله بالسيدة المعصومة.
اما الفتاة فلم تكن تقوى على فعل شئ سوى ان تتأمل بعينيها الغائرتين الضريح المقدس، وسرعان ما اخلدت في نوم عميق لم تألفه منذ مدة.
ولما عادت الام لتتفقد حال ابنتها استيقظت البنت فجأة ونهضت قائمة وقالت: اريد زيارة السيدة! ثم تعلقت بشباك الضريح المقدس وهي تغرقه بقبلاتها ودموعها، ثم التفتت الى امها واستأذتها في الذهاب الى صحن الحرم لشرب الماء.
عاد الاب ليجد موضع ابنته خالياً، سأل زوجته عنها فأخبرته - وهي ذاهلة- بأنها ذهبت بنفسها لشرب الماء... فاتسعت عيناه في ذهول اشتد عندما خرجا الى الصحن وشاهدا ابنتهما التي لم تكن تقوى على الحركة وهي الى جانب الحوض وقد جمعت بيديها شيئاً من الثلج الذي عظى الارض في ذلك الفجر الشتائي.
عاد الوالدان بابنتهما الى جوار ضريح السيدة المعصومة التي كانت الفتاة قد رأتها في تلك النومة القصيرة وهي تمسح بيدها على رأسها وتدعوها الى النهوض.
وفي جوار الضريح المقدس شكروا الله سبحانه على تفضله بمعافاة ابنتهما ببركة بنت موسى بن جعفر عليهما السلام.
وانتفت بذلك الحاجة الى ان يذهبا بها الى طهران فقد اكد الاطباء الذين فحصوها انها قد عوفيت بالكامل ولله الحمد اولاً وآخراً.
مستمعينا الافاضل الوقت المخصص لهذه الحلقة انتهى الى موعد لقاءنا المقبل نستودعكم الله بكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******