يا بنت موسى وابنة الاطهار
اخت الرضا وحبيبة الجبار
يا درةً من بحر علم قد بدت
لله درك والعلو الساري
انت الوديعة للامام على الورى
فخر الكريم وصاحب الاسرار
لازلت يا بنت الهدى معصومةً
من كل مالا يرتضيه الباري
من زار قبرك في الجنان جزاؤه
هذا هو المنصوص في الاخبار
*******
السلام على سليلة الدوحة النبوية المطهرة وغصن الشجرة العلوية المباركة بنت الامام واخت الامام وعمة الامام. الطهرة الطاهرة العابدة العالمة فاطمة بنت الامام الكاظم(ع) ورحمة الله وبركاته.
ان معظم اهل البيت عليهم السلام، وكذا ذراريهم قد تباعدت قبورهم عن موطنهم وموطن جدهم المصطفى محمد «صلى الله عليه وآله وسلم» وتناثرت مثل نجوم السماء في بقاع الارض وفي الديار النائية عن مهبط الوحي... وذلك لما تكبدوا في حياتهم من مآسي التشريد والايذاء والابعاد والسجون والقتل.
وكان من تلك القبور الطاهرة، وقد بعدت عن الوطن الأم مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله.. قبر مولاتنا فاطمة بنت الامام موسى الكاظم عليه وعليها أفضل الصلاة والسلام، حيث مرقدها الزاكي في مدينة «قم» المقدسة مهبط الاملاك، يحفه الزائرون الموالون القادمون من أرجاء العالم، يستلهمون من أجوائه الروحانية وآفاقه النورانية، معاني ساميةً، وذكريات تحيي القلوب من خلال زيارة هذه المرأة الطاهرة... حفيدة أمير المؤمنين علي وفاطمة الزهراء سلام الله عليهما، وكانت قد رحلت في قافلة الشوق والحنين الى أخيها الامام علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه وقد أحضره المأمون العباسي الى «مرو» بخراسان في أرض طوس، ليبعده عن الموالين والمحبين، وعن قبر جده النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله وسلم».
فطوت السيدة فاطمة المعروفة بلقب «المعصومة» عليها السلام مسافات شاسعةً بعيدة المدى لتلقى أخاها الرضا عليه السلام بعد أن استبد بقلبها ألم الفراق، لكن أجلها حال دون ذلك اللقاء المأمول، فعاجت: على مدينة «قم» لتحل فيها ضيفاً مكرماً، ثم ليكون فيها مرقدها الطاهر فتكون تلك البلدة عش آل محمد صلوات الله عليه وعليهم، ومأوى الشيعة وحقل العلم، والمزار التي تحن اليه القلوب من أرجاء الدنيا.
اخوتنا الأعزة... فاطمة المعصومة سلام الله عليه... هي التي قامت بها «مدينة قم» التي تشرئب لها الأعناق وتشخص الأبصار من أنحاء العالم... تلك المرأة المكرمة هي بنت الامام موسى الكاظم، ابن جعفر الصادق، ابن محمد الباقر، ابن علي زين العابدين، ابن السبط أبي عبد الله الحسين، ابن علي امير المؤمنين... صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين.
والامام الكاظم موسى بن جعفر عليه السلام اشهر من أن يعرف ذاك سلام الله عليه شهيد السجون، وقتيل الحاكم العباسي هارون.
هذا أبوها الطيب... الذي عرف بأنه وصي الأبرار، وامام الاخيار، ومستودع الانوار، ووارث السكينة والوقار، والحكم والآثار، الذي كان يحيي الليل بالسهر... الى السحر، بمواصلة الاستغفار، ذاك حليف السجدة الطويلة والدموع الغزيرة، والمناجات الكثيرة، والضراعات المتصلة، ذاك الذي كان مألف البلوى والصبر، المضطهد بالظلم، والمقبور بالجور، والمعذب في قعر السجون وظلم المطامير، ذا الساق المرضوض بحلق القيود، والجنازة المنادى عليها بذل الاستخفاف، والوارد على جده المصطفى وأبيه المرتضى وأمه الزهراء بإرث مغضوب، وولاء مسلوب، وأمر مغلوب، ودم مطلوب، وسم مشروب.
ذاك هو الأب الطيب لفاطمة المعصومة، فمن هي يا ترى امها... لنتعرف عليها بعد هذه الوقفة القصيرة.
اخوتنا الأفاضل... روى الشيخ الصدوق في كتابه الفاخر «عيون اخبار الرضا عليه السلام» ان الامام الكاظم عليه السلام قال لهشام بن احمد: هل علمت أحداً من أهل المغرب قدم؟ قال: لا. فقال عليه السلام: بلى، قد قدم رجل أحمر، فانطلق بنا.
قال هشام: فركب وركبنا معه.. حتى انتهينا الى الرجل من أهل المغرب ومعه رقيق (اي عبيد واماء)، فعرض ما عنده من الجواري الا واحدةً ادعى أنها مريضة، فانصرف الامام الكاظم عليه السلام، وبعث هشاماً من الغد الى الرجل المغربي قائلاً له: قل له كم غايتك فيها؟ فاذا قال كذا وكذا فقل: قد أخذتها. قال هشام: فأتيته.. قلت له: كم غايتك فيها؟ قال: ما أريد أن انقضها من كذا. قلت: قد أخذتها. فقال هي لك، ولكن من الرجل الذي كان معك بالأمس؟!
قلت: رجل من بني هاشم. فقال: من أي بني هاشم؟ قلت: من نقبائهم. قال: اريد أكثر.. فإني اخبرك عن هذه الوصيفة اني اشتريتها من أقصى بلاد المغرب، فلقيتني امرأة من أهل الكتاب فقالت: ما هذه الوصيفة معك؟! فقلت: اشتريتها لنفسي: فقالت: ما ينبغي أن تكون هذه الوصيفة عند مثلك! ان هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، فلا تلبث عنده الا قليلاً حتى تلد منه غلاماً يدين له شرق الأرض وغربها.
أجل... كانت ام فاطمة المعصومة بكراً حين اشتراها هشام للامام الكاظم عليه السلام، وكان لها عدة أسماء، منها: نجمة، وتكتم، وقد اشتراها ابتداءً لأمه حميدة المصفاة لتخدمها، وكانت تكتم من أفضل النساء في عقلها ودينها، واعظامها لمولاتها حميدة، حتى انها ما جلست بين يديها، اجلالاً لها. فماذا كان من أمر حميدة وتكتم بعد ذلك؟
روت حميدة المصفاة والدة الامام موسى الكاظم عليه السلام أنها رأت في المنام رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لها: يا حميدة هبي «نجمة» لآبنك موسي، فإنه سيولد له منها خير أهل الارض.
فقالت حميدة لابنها موسى الكاظم عليه السلام: يا بني، ان تكتم جارية ما رأيت جاريةً قط أفضل منها... وقد وهبتها لك.
وتزوجها الامام موسى الكاظم عليه السلام، وكان لما أتى بها من الرق أن اخبر اصحابه أنه ما اشتراها الا بأمر من الله وقال: بينا أنا نائم اذ أتاني جدي رسول الله وأبي عليهما السلام ومعهما شقة حرير، فنشراها... فاذا قميص وفيه صورة هذه الجارية، فقالا: يا موسى، ليكونن لك من هذه الجارية، خير أهل الارض بعدك. ثم أمراني ان اسميه علياً. وقال لي: ان الله تعالى يظهر به العدل والرأفة، طوبى لمن صدقه، وويل لمن عاداه وجحده!
أجل .. فولدت تكتم الامام علي الرضا سلام الله عليه، وفي ذلك يقول الشاعر:
الا ان خير الناس نفساً ووالداً
ورهطاً وأجداداً علي المعظم
اتتنا به للعلم والحلم ثامنا
اماماً يؤدي حجة الله ... تكتم
ثم ولدت تكتم رضوان الله عليها بعد ذلك مولاتنا السيدة فاطمة المعصومة بنت الامام موسى الكاظم عليه السلام، فهي أخت الامام الرضا عليه السلام وشقيقته من أمه وأبيه.
مستمعينا الافاضل من الفقرات الثابتة التي ستلتقون بها في حلقات هذا البرنامج هي فقرة وثائقية عن كرامات السيدة فاطمة بنت الكاظم (عليهما السلام) وما اكثر الكرامات التي أظهرها الله تبارك وتعالى لهذه العلوية المظلومة وشهدها زوار مرقدها طوال القرون التي اعقبت استشهادها والى يومنا هذا وقد دونت كثير من هذه الكرامات في كتب مطبوعة او في المجلات والسجل الخاص بذلك في مرقدها المبارك. ولا شك بأن ما خفي منها اكثر واكثر.
وقد اخترنا لهذه الحلقة كرامةً لهذه السيدة المتخلقة بخلق جدها الرؤوف بالمؤمنين صلى الله عليه وآله نقلها الشيخ اكبر مهدي بور في كتابه المطبوع في الفارسية عن كراماتها عليها السلام.
والكرامة منقولة عن المرجع الجليل اية الله العظمى السيد المرعشي النجفي رضوان الله عليه انه قال:
ارقت ليلة من ليالي الشتاء القارس، ففكرت في الذهاب الى حرم السيدة فاطمة المعصومة لزيارتها، لكنني فطنت الى ان الوقت لايزال مبكراً، وابواب الصحن مقفلة في هذه الساعة، فعدت احاول النوم واضعاً يدي تحت رأسي لكيلا استغرق في نوم عميق، فشاهدت في عالم الرؤيا السيدة المعصومة سلام الله عليها وهي تهتف بي قم وتعالى الى الحرم، ادرك زواري الواقفين خلف ابواب الصحن فقد آذتهم شدة البرد.
وتابع آية الله المرعشي حديثه قائلاً:
نهضت فوراً وارتديت ملابسي على عجل واسرعت الى الصحن الشريف فشاهدت هناك مجموعة من الزوار الباكستانيين، وهم يرتدون ملابسهم المحلية الخاصة بهم والتي تناسب حر بلدهم، كانوا يرتجفون من البرد فطرقت الباب، وناديت الخدام، فعرفني احدهم - وهو الحاج حبيب- ففتح الباب، فوردت الصحن مع اولئك الزوار الذين هرعوا لزيارة سيدتنا فاطمة الرؤوفة.
نستودعكم الله بكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******