ومن شأن هذه التطورات، والتي توجت في الساعات الماضية بسيطرة الجيش واللجان الشعبية على مديرية حريب، أن تذلل عراقيل كبيرة أمامهما للتقدم نحو مدينة مأرب من جهة الجنوب، وأن تعبد الطريق للسيطرة على قطاع صافر النفطي من أكثر من اتجاه وبأقل الخسائر الممكنة.
ولعل أكثر ما يبدو لافتا في تطورات اليومين الفائتين التنسيق عالي المستوى بين «أنصار الله» والقبائل، والتي لا يفتأ موقفها يتحول لغير صالح التحالف السعودي - الإماراتي.
ونفذ الجيش اليمني واللجان الشعبية، خلال اليومين الماضيين، عملية عسكرية خاطفة انتهت بالسيطرة على كامل مديرية بيحان، الواقعة في محافظة شبوة، شرقي البلاد.
العملية الجديدة التي جاءت عقب تفاهمات واسعة مع قبائل بيحان، أربكت حسابات التحالف السعودي - الإماراتي في المحافظة الغنية بالنفط، وأصابت التشكيلات الموالية له بالصدمة، بالنظر إلى أن الهجوم استند إلى تكتيك عسكري جديد باغت القوات الموالية للرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، وأجبر خمسة ألوية عسكرية مدججة بمختلف أنواع الأسلحة الحديثة على التخلي عن مواقعها ومقراتها الرئيسة، والانسحاب باتجاه مناطق أخرى من شبوة، فضلا عن محافظة مأرب.
وأفادت مصادر قبلية، أن العملية انطلقت خلال الساعات الأولى من فجر الثلاثاء من ثلاثة محاور ممتدة من جنوب شبوة إلى جنوب شرق مأرب، موضحة أن الجيش واللجان انطلقا من أسفل عقبة القنذع التي سيطرا عليها الشهر الفائت، ليصلا إلى قرية شقير ويفرضا سيطرتهما على مفرق السعدي الاستراتيجي الواقع بين المحافظتين، مضيفة أنهما تمكنا، بتسهيلات من قبل قبائل بيحان، من السيطرة على كامل مديرية عين ليقطعا خطوط الإمداد العسكري الخاصة بقوات هادي وميليشيات حزب «الإصلاح» المتواجدة في مديريتي الجوبة وحريب جنوب مأرب.
ونفت المصادر وقوع أي مواجهات دامية في معظم مناطق محور بيحان العسكري، الذي كان يضم خمسة ألوية عسكرية وقوات الأمن الخاصة التابعة لحزب «الإصلاح»، مبينة أن «الألوية 26 ميكا، 19، 153، 163، 173، بالإضافة إلى خمس كتائب متفرقة كانت ضمن محور بيحان، انسحبت من مواقعها وأخلت معسكراتها وغادرت باتجاهات متفرقة عقب اقتراب قوات الجيش واللجان الشعبية من مقراتها».
وتابعت المصادر أن «معظم المواقع العسكرية التابعة لقوات هادي في بيحان سقطت من دون قتال، باستثناء مواجهات محدودة أدت إلى سقوط عدد من القتلى من الطرف الآخر، فيما تمت السيطرة الكاملة على مواقع الساحة ومسور والوادي ومليب وغنية ولحمر وموقس والدهولي العسكرية، ودخلت قوات الجيش واللجان الشعبية منتصف نهار الثلاثاء مدينة بيحان من دون أي مقاومة تذكر».
من جهتها، أفادت مصادر من قبيلة المصعبين الشبوانية، بتسلم القبيلة إدارة الملفات الأمنية والخدمية والإدارية لمديرية بيحان من الجيش واللجان، لافتة إلى أن «تفاهمات قبلية جرت مسبقا مع حركة أنصار الله تقضي بمنح أبناء بيحان حق إدرتها وتأمينها بعد تحريرها من عناصر القاعدة الذين حاولوا خلال الأيام الماضية إنشاء معسكرات خاصة بهم في عدد من مناطق المديرية، بتواطؤ من ميليشيات الإصلاح في عتق عاصمة المحافظة»، متابعة أن «قوات الجيش واللجان الشعبية قدمت إلى بيحان بطلب من عدد من زعماء القبائل، بعدما كادت المديرية تتحول إلى إمارة جديدة للمئات من مسلحي القاعدة الذين فروا الأسبوع الماضي من معاقلهم السابقة التي سقطت تحت سيطرة الجيش واللجان في مديريتي الصومعة ومسورة في البيضاء»، لتخوض قبائل بيحان قبل أيام مواجهات معهم عقب قيامهم باستحداث مواقع لهم في مناطق تابعة للمديرية.
معظم المواقع العسكرية التابعة لقوات هادي في بيحان سقطت من دون قتال
وبعد سيطرتها على كامل مديريتي بيحان وعين الواقعتين غربي شبوة على الحدود الجنوبية الشرقية لمديريتي حريب والجوبة التابعتين لمحافظة مأرب واصلت قوات الجيش واللجان الشعبية تقدمها في عدة مسارات.
ووفقا لمصادر محلية، فقد تمكنت مساء الثلاثاء من نقل المعركة إلى شرق مديرية عسيلان النفطية القريبة من قطاع صافر النفطي الواقع شمال مدينة مأرب حيث استطاعت بمشاركة قبائل بيحان السيطرة على مناطق النقوب، وحيد بن عقيل، الهجر، مفرق الحمى، والسليم، الواقعة إلى الغرب من مديرية عسيلان، فيما لم يعلن إلى الآن استكمال السيطرة على هذه المديرية الاستراتيجية التي تتجاوز مساحتها 3000 كلم.
وفي المسار الآخر، دارت مواجهات عنيفة بين قوات الجيش واللجان الشعبية وميليشيات «الإصلاح» المتمركزة على حدود مديريتي عين في شبوة وحريب في مأرب مساء الثلاثاء، استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة، وانتهت بسقوط 70% من المديرية الواقعة جنوب شرقي مأرب، ومقتل العشرات من عناصر «الإصلاح»، وعلى رأسهم مدير المديرية المحسوب على «الإخوان»، ناصر القحاطي المرادي، مع عدد من مرافقيه.
كما شنت قوات هادي المتواجدة في بعض مناطق مديرية مراد جنوبي مأرب، هجمات مباغتة على مواقع تتمركز فيها قوات الجيش واللجان الشعبية في مديرية العبدية المجاورة لحريب، وعززت تواجدها في محيط مدينة الجوبة في محاولة منها للدفاع عنها.
ومن شأن عملية تحرير بيحان، بحسب خبراء عسكريين، تمكين قوات الجيش واللجان الشعبية من «فصل محافظة شبوة عن محافظة مأرب كليا، وقطع أي إمدادات عسكرية لقوات هادي ومليشيات الإصلاح قادمة من جنوب مأرب إلى بيحان والعكس».
كما من شأنها «منْح الجيش واللجان فرصة التقدم من غرب مديرية عسيلان إلى مديرية جردان الواقعة في نطاق شبوة، والتي تربط المحافظة الأخيرة بمنطقة العبر التابعة لمحافظة حضرموت، لتغلق آخر منافذ مأرب من اتجاه الشمال، وهو ما سيتيح لها إمكانية السيطرة الكاملة على الطريق الدولي الرابط بين حضرموت ومأرب، ويسهل سيطرتها على قطاع صافر النفطي من أكثر من اتجاه وبأقل الخسائر».
وفي مواجهة ذلك التحول العسكري، عمدت قيادات حزب «الإصلاح» إلى إعلان حالة النفير العام في مدينة مأرب، واستحداث خطوط دفاع في محيط مدينة عتق، التي تعد معقل «الإصلاح» البديل لمأرب منذ آب 2019.