واتسعت رقعة المعارضين لقرارات قيس سعيد لتتبلور دعوات للخروج إلى الشارع للتظاهر في جميع المحافظات على غرار وقفة مناهضة المحاكمات العسكرية.
وتناقل نشطاء ونواب وسياسيون عريضة تدعو المواطنين والمواطنات إلى "التنظيم والتنسيق التلقائي تمسكا بالديمقراطية أسلوباً في التدبير العام ولجماً للاستبداد وردعاً لعصابات الفساد"، وتضمنت العريضة المواطنية شعارات التحرك التي لخصها في أربع نقاط "يسقط الانقلاب على الدستور.. يسقط وضع الاستثناء.. لا للمحاكمات العسكرية.. الاستبداد حاضنة الفساد".
وفي نفس السياق، احتدت أخيراً مواقف حزب التيار الديمقراطي، أحد أبرز داعمي الرئيس سعيد قبل 25 يوليو/تموز، لترتفع أصوات قيادات الحزب بشكل لافت، رافضة ومعارضة لأي انحراف ينوي القيام به، خصوصاً بتعليق العمل بالدستور أو تعديله بشكل أحادي وفردي وذهابه في نظام رئاسي دون إشراك الطيف السياسي والمجتمعي.
وتواترت تصريحات قيادة التيار ومركزيتها، بعد أن كانوا صوتاً قوياً مناصراً لسعيد منذ أسابيع، ليتحولوا إلى الجهة الأخرى المنددة بالتجاوزات وانتهاكات حقوق الإنسان التي مستهم بشكل مباشر، إضافة إلى التحذيرات من الالتفاف على الدستور.
وقالت القيادية والنائبة عن التيار الديمقراطي سامية عبّو، إن "الطريق الذي يسلكه رئيس الجمهورية، قيس سعيد خاطئ وسيحكم على تونس والأجيال القادمة بأن تعيش نفس منظومة الخراب والفساد طيلة عقود".
وأضافت عبو في تصريحات صحافية "أن المشكل ليس في النظام السياسي، بل في عدم احترام الدستور وتطبيق القوانين في ظل انتشار الفساد والمحسوبية والإفلات من العقاب"، مشيرة إلى أن "حزب التيار أول من طالب بتركيز دولة القانون والمؤسسات وليس دولة قيس سعيد".
وقال النائب خالد الكريشي، القيادي بحركة الشعب، أكبر مساندي سعيد منذ انتخابه، في تدوينة له على فيسبوك متوجهاً بكلامه لرئيس الدولة "هل تعلم أنه حتى يكون تعديل الدستور دستوريا ومطابقا للشرعية الدستورية، فإنه يجب أن يكون هناك مجلس نواب شعب مضطلع بكامل مهامه ومحكمة دستورية كاملة التركيبة؟ وأضاف "أنت دائم التكرار أنك ملتزم بالدستور وأحكامه ووعدت الشعب أنك تتحرك ضمن الشرعية الدستورية ونحن نثق في تعهداتك ووعودك".
وقال المحلل السياسي الحبيب بوعجيلة في تعليق لـ"العربي الجديد" إن "الخلافات ظهرت داخل الأحزاب المساندة لقيس سعيد، والتي اشتغلت منذ أشهر قبل 25 يوليو/تموز داخل البرلمان على مساعدة سعيد ودفعه لاتخاذ إجراءات استثنائية عبر تعفين الساحة السياسية وأقصد الكتلة الديمقراطية (حزب التيار وحركة الشعب) والحزب الدستوري الحر".
وتابع بوعجيلة أن "هذه الأحزاب بمجرد إعلان سعيد عن الإجراءات الاستثنائية دبت داخلها الخلافات وكانت واضحة منذ البداية لأن الدفاع عن هذه الإجراءات على أساس أنها إجراءات دستورية يعد أمرا صعبا" مشيراً إلى أنه "كان من الواضح منذ البداية أنها تأويل متعسف للدستور، وأنها لم تكن تطبيقا للفصل 80 بقدر ما كانت قلبا للشرعية وللنظام السياسي القائم باعتماد القوة الصلبة للدولة أي بالاستقواء بالأجهزة الصلبة (العسكر والأمن..)".
وفسر المحلل أن "الخلافات بدت واضحة من البداية داخل حزب التيار الديمقراطي، بين مكتبه السياسي الذي اعتبر أن ما حدث انقلاب وبمجرد انعقاد المجلس الوطني بعد أيام، خالف المكتب السياسي وكان لطيفا في التعليق، معتبراً أن "الإجراءات يمكن اعتبارها دستورية ولا تصل إلى الانقلاب..". وواصل قائلاً أن "هذه الخلافات أظهرت شقين داخل هذه الأحزاب؛ بين من يتمسك بالدستور والديمقراطية، في مقابل من يناصر الانقلاب".
وحول تغير مواقف الأحزاب الداعمة بشكل كبير، قال بوعجيلة "اليوم وبعد مرور شهر ونصف من الانقلاب، أصبح واضحا أن لا أحد أصبح قادرا على أن يدافع عما قام به قيس سعيد، ثم يقدم ويصنف نفسه ديمقراطياً". وتابع "خصوصاً، وأن قيس سعيد لم يشرَك هذه الأحزاب ولم يتشاور أو يتحاور معها بل لم يعرها أي انتباه".
وشدد على أن "الكتلة الديمقراطية والدستوري الحر كانت تتوقع أن إجراءات قيس سعيد ستساعدها فقط على التخلص من خصومها السياسيين وهو الحزام البرلماني لحكومة المشيشي ثم يلتجأ إليهم للتركيب السياسي الجديد".
ولفت بوعجيلة "إلى أنه علاوة على عدم التشاور معهم، فإن الإجراءات بدأت تكشف عن نفسها باعتبارها إجراءات تعسفية والشعور بذهاب سعيد نحو خرق واضح للدستور بتعليق الدستور وحل البرلمان فإنه لا يمكن على أناس ينسبون أنفسهم للديمقراطية أن يواصلوا مساندة قيس سعيد". وشدد بوعجيلة على أن "انقلاب 25 يوليو يعيش عزلة دولية وإمكانية وصوله إلى مأزق حقيقي يؤدي بالبلاد إلى وضع لا تحمد عقباه، وهم لا يريدون أن يكونوا مسؤولين على هذه النتيجة".
وأوضح أن الأحزاب لم تكن تدرك نتائج الانقلاب عندما كانت تعد له وبأنها اكتشفت الآن فداحة أخطائها وفداحة ما جرى يوم 25 يوليو/تموز.
وأكد المحلل أن "سعيد يعيش عزلة سياسية وبدأ يخسر حلفاءه وأصدقاءه من الأحزاب التي كانت محمولة عليه على غرار الكتلة الديمقراطية، بينما ما زال الدستوري الحر يحاول تقديم خدمات ويقترب منه، وحركة الشعب ما زالت لم تعلن خروجها من حزام الرئيس، فيما بدأ التيار الديمقراطي في تقديم مواقف في وقت لا نعلم تحديداً إن كانت مواقف مبدئية أم متغيرة، بمجرد دعوتهم من قيس سعيد لترتيب المرحلة القادمة".
وأضاف "لا أستبعد أن يسارع التيار إلى تلبية نداء سعيد بمجرد دعوتهم، لأن هدفهم هو استبعاد الخصم وأخذ مواقع متقدمة في الحكم، فليس لهم رؤية ولا تصور إصلاحي بل موقف سياسي من خصومهم".