للسؤال في المنظور القرآني أهمية كبيرة تستحق البحث والنظر، فقد حث القرآن المجيد على استخدام السؤال لأهميته في ميدان التعلّم في آيات كثيرة؛ إذ بلغت الأسئلة القرآنية خمسة مائة سؤالاً تقريباً موزعة على أجزاء القرآن الثلاثين، وتشتمل على أنواع عديدة من الأسئلة و(هي حالة تنبئ عن صلاحية السؤال الكبيرة بالوجود والحركة والحياة، فاذا عرفنا أن هناك مئات الاستعمالات القرآنية لأدوات السؤال المعروفة، وفي شتى المجالات العقيدية والطبيعية والتشريعية، نكون قد تأكدنا من موقع السؤال في الفكر القرآني)([1])، وبهذا يكون السؤال أسلوباً فعالاً مارسه القرآن الكريم لتنمية عقل الإنسان واكتسابه العلوم المختلفة.
فتعددت أساليب القرآن الكريم في طرح الاستفهام، وتنوعت طرقه في عرضه حتى يسوق الحقائق مقرونة بالأدلة، لتلقى قبولاً كاملاً، واستجابة تامة لدى الإنسان، ومنها:
السؤال الاستفهامي: وهو من أكثر الأساليب الإنشائية استعمالاً وأهمية، ويراد به طلب فهم أو معرفة ما هو خارج الذهن، وله أدوات متعددة تتميز كل واحدة منها بالسؤال عن جهة من جهات الكلام ومن على سبيل المثال سورة البقرة في آية رقم 215، وكذلك سورة المؤمنون في آية 113، بالضافة الى سورة الاسراء في آية 101.
وقد عرض المفسرون لأدواته، فأظهروا معانيها الأساسية والفوارق بينها، والمعاني البلاغية التي خرجت إليها، وتنبهوا إلى آثار ذلك من جماليات النصوص وصلتها بقرائن المقام والمقال، واهميتها في الكشف عن اسرار القرآن وخصوصياته في هذا الأسلوب الشائق، الذي يكثر فيه وتتنوع فوائده في التعبير والإثارة والتأثير( [2])، ومن أمثلته، قوله تعالى ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾، وقال تعالى ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ ، وهنا سؤال استفهامي افتراضي سيقع في المستقبل، واستعمال مثل هذا الشرط مع مادة السؤال لقصد الاهتمام بما سيذكر بعده، ونلحظ أن الجواب لم يكن فيه - قل- كما هو في قوله تعالى ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ ، وقوله تعالى ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ ، ولعل السر في ذلك الإشارة الى قرب الإجابة من غير وجود فاصل كقل لهم، وهو تأكيد موافق مع السياق ومضامينه، وفي هذا السؤال واجابته اشارة واضحة إلى تنبيه العقل بوجود الخالق قرب المخلوق. بل هو أقرب إليه من نفسه بل من حبل الوريد.
السؤال الإنكاري: والإنكار هو الأمر القبيح، وأنكرت عليه فعله إنكاراً إذا عبته ونهيتهُ ([3])، قال تعالى﴿ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾.
وهنا سؤال إنكاري، وفيه دلالة على ان كل الأنبياء قد دعوا إلى التوحيد، والسؤال موجه إلى أتباع الأنبياء السابقين، أتباعهم المخلصين منهم، أو جميع أتباعهم، إذ أجمعوا جميعهم على أن الأصل في كل الأديان هو التوحيد، وبهذا السؤال الإنكاري دعوة إلى التأمل في أصل ما كان متفق عليه، وأن الخلاف في وجود الخالق أو الأعتقاد بتعدد الآلهة أفكار طارئة على التوحيد سببها أوهام ومصالح أو تقليد أعمى وتعصب لتقاليد الآباء والأسلاف.
وعلى هذا فإن بلاغة التعبير بالاستفهام الإنكاري لها دور فاعل فيما يهدف إليه القرآن الكريم من إقناع العقل (ذلك أن الاستفهام في أصل وضعه يتطلب جواباً يحتاج إلى تفكير يقع به هذا الجواب في موضعه، ولما كان المسؤول يجيب بعد تفكير وروية عن هذه الأسئلة بالنفي، كان في توجيه السؤال إليه حملٌ له على الاقرار لهذا النفي، وهو أفضل من النفي ابتداءً)([4]).
السؤال التقريري: وهو حملك المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده. وحقيقة الإستفهام التقريري أنه استفهام إنكار، والإنكار نفي وقد دخل على النفي، ونفي النفي اثبات ([5])، ومن امثلته كقوله تعالى ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾، وفي هذه الآية الكريمة دليل على تزييف طريقة عبدة الأصنام، وكان الدليل العقلي فيه على أصلين:
الأصل الأول: أن هؤلاء المشركين مقرون بوجود الإله القادر الحكيم الرحيم وهو المستشف من جوابهم ،وأن فطرة العقل شاهد على وجوب وجود إله قادر رحيم؛ لأن المتأمل في عجائب أحوال السماوات والأرض وسائر المخلوقات لابد له من الاعتراف بالإله القادر الحكيم.
والأصل الثاني: أن هذه الأصنام لا قدرة لها على الخير والشر، وهو المعروف من عجز هذه المصنوعات (الأصنام) عن هذه القدرة، فثبت انه لابد من الإقرار بوجود الإله القادر الحكيم الرحيم، وثبت أن هذه الأصنام لا قدرة لها على الخير والشر، وإذا كان الأمر كذلك كانت عبادة الله كافية ([6])، وهذا لا يخفى على متأمل عاقل أن الخالق هو الله سبحانه وهو الإله على ما أقره المشركون على أنفسهم.
وهكذا نصل إلى النتيجة التربوية التي يقدمها لنا هذا الأسلوب القرآني في بناء عقولنا؛ والتي اهتدى إليها مؤخراً فلاسفة التربية المعاصرة وعبَّر عنها أحدهم بقوله: (إن التفكير هو محاولة قصدية لاكتشاف روابط معينة بين ما نعمله والنتائج التي تترتب عليه بحيث يطّرُ الاثنان معاً، فتغدو الحوادث مفهومة قابلة للتفسير ويصبح حدوثها على هذا النحو معقولاً) ([7]).
ويبدو إذا كانت غاية الاستفهام الإنكاري تنبيه المخاطب وإيقاظ عقله حتى يرجع إلى رشده ويعيَ الجواب، فإن السؤال التقريري - مع هذا كله - يذهب إلى أبعد من ذلك، فيحمل المخاطب على الاعتراف بالحقيقة الثابتة من دون جبر واضطهاد، مع بسط الدليل اللازم والحجة المقنعة، وبهذا كان أسلوباً أقوى في الطلب وأبعد في الإقناع وإعمال العقل.
السؤال التوبيخي: التوبيخ: التهديد والتأنيب ويقع على حالتين: الأولى: ما يقع في أمر ثابت ووبخ على فعله وهو الأكثر، الثانية: ما يقع على ترك فعل كان ينبغي أن يقع، ومن امثلته على ذلك في قوله تعالى﴿ إِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ﴾
وقال الشريف الرضي: (وإنما سميت موؤودة للثقل الذي يُلقى عليها من التراب، وتقول: آدني هذا الأمر، أي أثقلني)، ويثير السيد المرتضى تساؤلاً مفاده كيف يصح أن يُسأل مَن لا ذنبَ له ولا عقل، فأي فائدة في سؤالها عن ذلك، وما وجه الحكمة فيه؟ ويرى الجواب من وجهين:
أحدهما: أن يكون المراد أنَّ قاتلها طولب بالحجة في قتلها، وسئل عن قتله لها بأي ذنب كان، على سبيل التوبيخ والتعنيف وإقامة الحجة، فالقتلة هم المسؤولون على الحقيقة، لا المقتولة، ويجري هذا مجرى قولهم: سألت حقي، أي طالبت به ومثله قوله تعالى ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۚ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولً﴾ أي مطالباً به مسؤولاً عنه، والوجه الآخر: أن يكون السؤال توجه إليها على الحقيقة، على سبيل توبيخ القاتل وتقريعه، وتنبيهه له، على أنه لا حجة له ولا مسوغ في قتلها، ويجري هذا مجرى قوله تعالى لعيسى ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ على طريق التوبيخ لقومه، وإقامة الحجة عليهم، وإن قيل كيف يعقل الأطفال حتى يوجه إليهم السؤال؟ وأجيب بأنها يوم القيامة تكون ممن تفهم الخطاب وتعقله، وإن كان الغرض منه التبكيت للقاتل وتوبيخه وإقامة الحجة عليه ([8]).
وبهذا إذا سُئل المقتول بمحضر القاتل ونسبت الجناية له دون الجاني، كان ذلك باعثاً على التفكر في حاله وحال المجني عليه، فيرى براءة ساحته، وأنه هو المستحق للعقاب والعذاب، وهذا استدراج على طريق التعريض، هو ابلغ من التصريح.
السؤال الطلبي: هو السؤال الذي يتضمن احد معاني الطلب سواء الأمر أو النهي، ومن أمثلته في قوله تعالى﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ ، وهنا نلحظ أن الله سبحانه يَعلِّم الإنسان كيفية الطلب وينبه على أن الإنسان لا يجوز له أن يعين شيئاً في الطلب والدعاء، ولكن يطلب من فضل الله ما يكون سبباً لصلاحه في دينه ودنياه على سبيل الإطلاق؛ لأن الإنسان العاقل يفهم أن الله سبحانه هو علّام الغيوب، وأنه أعلم منه بمصلحته وأحرص عليه من نفسه فلا يملي على ربِّه ما يُريد بل يُوكل كل ذلك الى علمه لأن ﴿إِن تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ وفضله ورحمته التي وسعت كل شئ، قال تعالى﴿ ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۖ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
سؤال التعجب: العجب والتعجب: حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء، والعجب من الله سبحانه إنكار الشيء وتعظيمه، ولا يوصف سبحانه بالتعجب لأنه استعظام يصحبه الجهل، وهو تعالى منزه عنه ذلك، لكن المراد تعجب العباد.
ويكثر التعجب في أساليب، أرأيت، ولم تر، فمن ذلك قوله تعالى ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾ وهذا السؤال موجَّه إلى النبي الاكرم (صل الله عليه واله) على سبيل المواساة وتسلية الخاطر، وأن الأصل في عدم قبول الدعوة ليس لأن دعوتك منطقها ضعيف، ودليلها غير مقنع، بل لأن من عاندك وكابر الحق ليس من اتباع العقل أو المنطق، فدليله ومعبوده هواه، فمثل هذا الإنسان لا سبيل لهدايته لكونه ليس من أنصار العقل وهو مُعرض عن استماع الحجة الباهرة وملاحظة البرهان النير بالكلية على معنى أنظر إليه وتعجب منه.
فالغاية من التعجب هي أن يعود المعني به إلى صوابه، وأن يحاكم نفسه، ليشعر بضلاله وبطلانه.
يمكن القول أن لأسلوب الاستفهام في القرآن فوائد يمكن للمتأمل رصد كثير منها ولعل من أهمها:
ازدياد المعرفة والعلم، قال تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ ، قال العلامة الطباطبائي: (إنه ارشاد إلى حكم العقلاء بوجوب رجوع الجاهل إلى العالم).
التحدي: ومثاله ما كان من النبي إبراهيم مع قومه حين كسَّر أصنامهم وألزمهم الحجة في عدم نطق الأصنام، وتحديهم بذلك مع دعوتهم إلى التفكر والتأمل، في كونها لم تنفع نفسها فكيف تنفع الآخرين، قال تعالى على لسان إبراهيم ﴿ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ﴾.
التذكير والاعتبار: قال تعالى ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ ، وفيها تذكير واعتبار وأن ذكر السؤال تقرير أنهم كانوا قد أقدموا على هذا الذنب القبيح والمعصية الفاحشة تنبيهاً لهم على أن إصرارهم على الكفر بمحمّد(صل الله عليه واله) وبمعجزاته ليس شيئاً حدث في هذا الزمان، بل إن هذا الكفر والإصرار كان حاصلاً في أسلافهم من الزمان القديم. السخرية والتهكم: قال تعالى ﴿ سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَٰلِكَ زَعِيمٌ﴾ ولكي تسد عليهم سَلْهُم فمن منهم يضمن أن المسلمين والمجرمين سواء.
التعظيم والإجلال: قال تعالى﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾، أي إن شئت تحقيق ما ذكر أو تفصيل ما ذكر فاسأل معتنياً به خبيراً عظيم الشأن محيطاً بظواهر الأمور وبواطنها وهو الله عز وجل يطلعك على جلية الأمر.
نخلص مما تقدم ان السؤال في النص المقدس كان خاضعاً لاستراتيجية عميقة، هدفها إثارة العقل وتعميق الرؤى في الكون والحياة والتاريخ والإنسان فكان أنْ حرك القرآن الكريم العقل نحو التفكير بطرح الأسئلة والاجابة عليها، وأحياناً يطرح الأسئلة ولا يجيب؛ تاركاً للعقل الاجابة، وكم يذكر المقدمات من دون النتائج، وأحياناً يذكر النتيجة من دون المقدمات، كل ذلك لتحريك العقل وإعماله نحو التفكير بعيداً عن التوقف والجمود.
* محمّد كاظم حسين الفتلاوي
مصادر:
([1])غالب حسن الشابندر، ستراتيجية السؤال رؤية قرآنية، دار الهادي، بيروت، 2004م، ص16.
([2])محمود احمد الصغير، الادوات النحوية في كتب التفسير، دار الفكر، دمشق، 2001م، ص634
([3])أحمد بن علي الفيومي ، المصباح المنير، مكتبة الإيمان، المنصورة ، 2008م ، ص406.
([4]) أحمد بدوي، من بلاغة القرآن، دار النهضة، القاهرة، ص163.
([5]) بدر الدين محمد الزركشي ، البرهان في علوم القرآن، المكتبة العلمية، بيروت، 1988، 2/331.
([6])فخر الدين محمد بن عمر الرازي، مفاتيح الغيب، دار الكتب العلمية، بيروت، ط3، 2009م ، 26/246.
([7]) جون ديوي، الديمقراطية والتربية، ترجمة: متَّى عفراوي وآخر، مطبعة لجنة التأليف والترجمة، القاهرة ،1946م ، ص152.
([8]) أمالي المرتضى، 4/188