فقد نقل سـبـط بـن الجـوزي فـي تـذكرة الخواص:
((...لمـّا أنـفـذ ابـن زيـاد رأس الحـسـيـن عليه السلام إلى يـزيـد بـن مـعـاويـة مـع الأسـارى، مـوثّقين في الحـبـال، مـنـهـم نـسـاء وصـبـيـان وصـبـيـّات مـن بـنـات رسـول اللّه (ص)، عـلى أقـتـاب الجـمـال، مـوثـقـيـن مـكـشـّفات الوجوه والرؤوس! وكلّما نزلوا منزلاً أخرجوا الرأس من صندوق أعـدّوه له، فـوضـعـوه عـلى رمـح وحـرسـوه طـول الليـل إلي وقـت الرحـيـل، ثـمّ يـعـيـدوه إلى الصـنـدوق ويـرحـلوا، فـنـزلوا بـعـض المنازل، وفي ذلك المنزل ديرٌ فيه راهب، فأخرجوا الرأس على عادتهم، ووضعوه على الرمح وحرسه الحرس على عادته، وأسندوا الرمح إلى الدير.
فـلمـّا كـان فـي نـصـف الليل رأى الراهب نوراً من مكان الرأس إلى عنان السماء! فأشرف على القوم وقال: من أنتم؟
قالوا: نحن أصحاب ابن زياد.
قال: وهذا رأس من!؟
قـالوا: رأس الحـسـيـن بـن عـليّ بـن أبـي طـالب، ابـن فـاطـمـة بـنـت رسول اللّه (ص)!
قال: نبيّكم!؟
قالوا: نعم!
قال: بئس القوم أنتم! لو كان للمسيح ولد لاسكنّاه أحداقنا!
ثم قال: هل لكم في شيء؟
قالوا: وما هو؟
قـال: عـنـدي عـشـرة آلاف ديـنـار، تـأخـذونـها وتعطوني الرأس يكون عندي تمام الليلة، وإذا رحلتم تأخذونه!
قالوا: وما يضرّنا!؟
فـنـاولوه الرأس، وناولهم الدنانير، فأخذه الراهب فغسله وطيّبه، وتركه علي فخذه، وقعد يبكي الليل كلّه! فلمّا أسفر الصبح قال: يا رأس! لا أملك إلاّ نفسي، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّ جدّك محمّداً رسول اللّه، وأُشهد اللّه أنني مولاك وعبدك!
ثمّ خرج عن الدير وما فيه، وصار يخدم أهل البيت!
وقـال ابـن هـشـام فـي السـيـرة: ثـمّ إنـهـم أخـذوا الرأس وسـاروا، فـلمـّا قـربـوا مـن دمـشـق قال بعضهم لبعض: تعالوا حتّى نقسم الدنانير لا يراها يزيد فيأخذها منّا!
فـأخـذوا الأكياس وفتحوها، وإذا الدنانير قد تحوّلت خزفاً! وعلى أحد جانبي الدينار مكتوب: (ولا تحسبنّ اللّه غافلاً عمّا يعمل الظالمون) الآية، وعلى الجانب الآخر: (وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقبلون) فرموها في بردى))(1) .
وروى الخـوارزمـي:
((وروي: أنّ رأس الحسين (ع) لمّا حـُمـل إلى الشـام، جـنَّ عليهم الليل فنزلوا عند رجلٍ من اليهودِ، فلمّا شربوا وسكروا قالوا له: عندنا رأس الحسين!
فقال لهم: أروني إيّاه!
فـأروه إيـّاه بـصـنـدوق، يـسـطـع مـنـه النـور إلى السـماء! فعجب اليهودي، واستودعه منهم فـأودعـوه عـنـده، فـقـال اليـهـودي للرأس ـ وقـد رآه بـذلك الحـال ـ: إشـفـع لي عـنـد جـدّك! فـأنـطـق اللّه الرأس وقال: إنّما شفاعتي للمحمّدييّن، ولستَ بمحمّدي!
فـجـمـع اليـهـودي أقـرباءه، ثمّ أخذ الرأس ووضعه في طست، وصبّ عليه ماء الورد، وطرح فيه الكافور والمسك والعنبر، ثم قال لأولاده وأقربائه: هذا رأس ابن بنت محمّد!
ثـمّ قـال: وا لهـفاه! لم أجد جدّك محمّداً فأُسلم على يديه! ثمّ والهفاه! لم أجدك حيّاً فأُسلم على يديك وأقاتل دونك! فلو أسلمت الآن أ تشفع لي يوم القيامة؟
فأنطق اللّه الرأس، فقال بلسان فصيح: إن أسلمتَ فأنا لك شفيع!
قالها ثلاث مرّات، وسكت، فأسلم الرجل وأقرباؤه!
وقال الخوارزمي: لعلّ هذا الرجل اليهودي كان راهب ((قنسرين)) لأنه أسلم بسبب رأس الحسين (ع)، وجـاء ذكـره فـي الأشـعـار، وأورده الجـوهري والجرجاني في مراثي الحسين كما سيرد عليك في موضعه إن شاء اللّه.))(2) .
______________
(1) تذكرة الخواص: 236 ـ 237 / وقد روي قطب الدين الراوندي (ره) بسند إلي سليمان بـن مـهـران الاعـمـش هذه القصّة بتفاوت، ولم يذكر مكان وقوعها، وذكر فيها أنّ أمير الركب كان عـمـر ابـن سـعـد! (راجـع: الخـرائج والجـرائح: 2:577 ـ 580 رقـم 2) وقـد قال الشيخ عباس القمّي (ره): ((أقول: الذي يظهر من التواريخ والسير أنّ عمر بن سعد لم يكن مع القوم في سيرهم الي الشام، فكونه معهم بعيد..))(نفس المهموم: 424).
(2) مقتل الحسين (ع) للخوارزمي: 2 :115 ـ 116 رقم 49.
المصدر: العتبة الحسينية المقدسة