وقد فرّق القومُ بين رؤوسهم وأبدانهم، وربّما يسألون مَنْ أهلهم وعشيرتهم، فأخبرهم الإمام (عليه السلام) عمّا جاء إليه من مواراة هذه الجسوم الطاهرة، وأوقفهم على أسمائهم، كما عرّفهم بالهاشميّين من الأصحاب، فارتفع البكاء والعويل، ونشرت الأسديّات الشعور ولطمن الخدود.
ثمّ مشى الإمام زين العابدين (عليه السلام) إلى جسد أبيه واعتنقه وبكى بكاءً عالياً، وأتى إلى موضع القبر ورفع قليلاً من التراب فبان قبرٌ محفورٌ وضريحٌ مشقوق، فبسط كفّيه تحت ظهره وقال: (بسم الله وفي سبيل الله، وعلى مِلّة رسول الله، صدق اللهُ ورسولُه، ما شاء اللهُ لا حوّل ولا قوّة إلاّ باللّه العظيم)، وأنزله وحده لم يشاركه بنو أسدٍ فيه، وقال لهم: (إنّ معي مَنْ يُعينُني)، ولمّا أقرّه في لحده وضع خدّه على منحره الشريف قائلاً:
(طوبى لأرضٍ تضمّنت جسدك الطاهر، فإنّ الدنيا بعدك مظلمة، والآخرة بنورك مشرقة، أمّا الليل فمسهّد، والحزن سرمد، أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي فيها أنت مقيم، وعليك منّي السلام يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته).
وكتب على القبر: (هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب(عليه السلام)، الذي قتلوه عطشاناً غريباً).